٥.٦.٠٩

المواطنة

المواطنة .. الوطن .. والجماعة

مفهموم المواطنة مفهوم مستحدث ظهر متزامنا مع المفهوم الحالي للدولة المدنية، تتعدد تعريفات هذا المفهوم ، ولكني ألخص هنا كل ما قرأت بأسلوبي المتواضع ، المواطنة هي "الانتماء والولاء" شعورا وما يترتب علي هذا الشعور من أفعال تتفق معه ، وهذا الانتماء والولاء يكون للوطن بالاساس وللجماعة بالتبعية .. فهو للوطن بالأساس لأن الشخص إن لم ينتمي للوطن قبلا فهو ليس بمواطن أصلا، وللجماعة بالتبعية -ونقصد هنا بالجماعة جموع المواطنين الذين يشاركونه هذا الوطن- ويكون بالتبعية لأنه لاحقا للانتماء الأول وليس سابقا.

إذا فالمواطنة علاقة ثنائية تربط الفرد بوطنه وبمواطنيه ، وبإسقاط هذا المفهوم على واقعنا الحالي في الكويت نرى أنفسنا أمام مشكلة كبيرة ، مشكلة "ضعف المواطنة" .. فرغم أن الكويت دولة مدنية بدستورها ومؤسساتها إلا أننا لم نولي اهتماما "للثقافة المدنية" التي برأيي عمود بقاء المدنية وازدهارها والتي تغرس القيم و المفاهيم المدنية في المجتمع أو كما سماها بعض الباحثين "الفضائل المدنية" ومنها "العقـلانيـة والتسامح والفرديـة والاخـلاص وطاعة القانــون"
(1) ، ونتيجة لذلك نعاني اليوم نتيجة هذا الاهمال ، فالعزوف عن المشاركة في العملية الانتخابية والقبول بفكرة الغاء مجلس الأمة ، التعصب العرقي والديني ، عدم احترام النظام والقوانين ، عدم تقبل الاّخرين والعمل على اقصائهم ، كل هذه وغيرها افرازات لمشكلة بكل تأكيد لم تظهر من عدم ، سأستعرض فيما يلي بعضها في مجتمعنا والتي يعد عائقا لأهم أسس المدنية وهي المواطنة الصحيحة ...

الأخلاق والاّداب العامة

رغم أننا مجتمع محافظ ملتزم بدينه ظاهريا ، ورغم أن دين الإسلام (بل وكل الديانات) اهتمت بالجانب الأخلاقي للفرد ، إلا أن التناقض صارخ بين ما يدعو إليه الدين من اّداب وأخلاق وبين ما يمارس على أرض الواقع ، من هذه الاّداب ما يدل على ضعف الشعور بالمواطنة ، كالتعدي على ممتلكات البلد بالإتلاف أو السرقة كما يحدث في الأماكن العامة من تخريب وتكسير ، عدم احترام القانون ولا النظام السائد ومحاولة تجاوزه بالطرق الملتوية كالواسطة مثلا ، الاستهتار في العمل وتعمد عدم الانجاز ، استغلال بعض الميزات التي توفرها الدولة بدون وجه حق كبدل الإيجار أو منحة دعم العمالة أو التقاعد الطبي ، كل هذه وغيرها أمثلة لتصرفات "منتشرة" جدا بل تعتبر ظاهرة في بعض الأمثلة ، وهذه مظاهر غياب الذوق العام والاّداب في وطن يفترض أنه متعلم وملتزم دينيا (وهنا علامة استفهام كبيرة) ، وبالأخير لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون ممارس هذه الأفعال مواطن صالح ..

الانتماءات العرقية والمناطقية والعقائدية

الكويت تعتبر بلد هجرات ونظرا لموقعها الجغرافي فقد أتت إليها الهجرات من الشرق والشمال والجنوب ، ليتكون بالتالي النسيج الاجتماعي كخليط من هذه الأصول العرقية بما يتبعها من انتماءات عقائدية ، تمكن هذا الخليط -إلى حد كبير - من التعايش مع بعضه البعض ولكنه لم يتمكن من الاندماج الكامل ، رغم مرور فترة مميزة من الزمن ربما في الستينات والسبيعنات تقارب فيها المجتمع . الفروقات بين هذه الأطياف كانت واضحة منذ البداية إلا أنها لم تكن أكثر حضورا من عصرنا الحالي ، فما كان يتداول بالسر أصبح الاّن يتداول في العلن ، فضاعت المواطنة بين التعصب والعنصرية ، بين التكتل مع الجماعة والتعصب لها على حساب مصلحة الوطن ، وبين التعنصر ضد الاّخر المختلف ومحاولة اقصاءه على حساب أمن و استقرار هذا الوطن ، وبهذا الموضوع بالذات جميعنا ملامون ولكن على رأس الجميع "الدولة" كنظام ، ليس لأنها لم يكن لها وقفة مما يحدث على الساحة الاّن فقط بل لأنها لم تعيره أي اهتمام منذ بداية إقامة الدولة ، فلم تعمل على اذابة الفروقات وصهر جميع الانتماءات في هذا الوطن ، بل على العكس عملت في بعض الأحيان على تأجيج الحساسيات و زيادة الشروخ ، شخصيا لا زلت أذكر كيف تلقى مختاري اليرموك وقرطبة التهاني رسميا لانضمامهم لمحافظة العاصمة في التسعينات بعد أن كانوا يتبعون محافظة الفروانية ولا اعلم كيف يجب أن يترجم المواطن العادي في محافظة الفروانية هذا الموقف .. لذا وبسبب كل هذه الافرازات لم يعد للشعور الجمعي الذي يربط أبناء الوطن جميعا حضور قوي ، بل تقسمت الجماعة إلى جماعات صغيرة متفرقة تتنافس في الحصول على مصالحها الفئوية ، فأين الانتماء الجمعي وبالتالي أين نصف المواطنة ؟

الموروث الإسلامي

صورة الدولة المدنية الحديثة لا تتفق مع صورة الدولة الاسلامية كما نقل إلينا عبر العصور ، وبالتالي فالمواطنة بالمعنى المقصود هنا تتعارض في بعض جوانبها مع الموروث الإسلامي ، ولعل هذا يكون السبب الرئيسي في أن بعض المتدينيين يبدون تحفظا تجاه هذه المفاهيم المدنية ، بل قد يذهب بعضهم إلى عدم الاعتراف بها وما يرمز إليها كالدستور والنظام الديمقراطي والعلم ، وهذه الشريحة موجودة منهم من لا يشارك بالعملية الديمقراطية إيمانا بحرمتها ومنهم من يشارك مستغلا هذه المميزات للوصول إلى أهدافه والتي أسماها (بنظرهم) نقض هذا النظام وأسلمته. انا هنا لا أشكك بولاء هذه الفئة (فلست من أتباع الضرب بالنوايا ابدا) ولكن ولائهم تحكمه الشريعة الإسلامية (كما يرونها) مما يعني أنه لو تعارض "الانتماءان" أو "الولاءان" فالغلبة للشريعة بالتأكيد ، شخصيا لست ضد الدين فأنا إنسانة مؤمنة ولكن الشريعة الإسلامية هنا لا تعني ثوابت الإسلام كما في القراّن فقط بل تضم كل الاجتهادات الشخصية للفقهاء والعلماء على مر العصور والتي فيها الكثير مما لا يلائمنا ولا يلائم العصر الذي نعيش فيه بل والغير صحيح من الأساس ، وهنا الإشكال .


استنتاجا لما سبق اعتقد اننا ما نملك من النظام المدني غير الشكل ، فأسس الدولة المدنية صحيحة في الكويت لكن الممارسة يشوبها خلل رهيب ، فالتحديات الداخلية صعبة ، وحتى نحقق المدنية مضمونا فإننا نحتاج إلى تــــأهيـــــــل ثــقـافـــــي لأفراد الشعب ، نعم إعادة تأهيل! فهذه الثقافة تشوبها الكثير من الموروثات التي تقتلها في الصميم ، موروثات تأخذ صفة العادات والتقاليد تارة وتأخذ صفة القداسة بإلصاقها جهلا بالدين تارة أخرى، وأيا كانت هذه الشوائب إلا أن المجتمع أدمنها وأصبحت بنظره حقائق ومن هنا أرى بإعادة التأهيل ، ففي النهاية ثقافة المجتمع هي الموجه والمحفز الاساسي لأفراده ، وهي موروث الأجيال القادمة وعلى أساسها حتما يكون المستقبل ...

-----------------------------------------------------
(1) مقال تدنى الثقافة المدنية فى المجتمعات العربية - الدكتور ابراهيم قويدر

15 راكبيــــــن الجيــمـــــس:

aaaaaa ٥/٦/٠٩ ١٤:٥٨  

السلام عليكم

في مقال كتبته سابقا عنوانه العقيده والوطنيه في حالة حرب

وهذا ما نعيشه حاليا لأنه العقيده بدأت ترى نفسها هي الوطنية وهذا خطأ لأنه العقيده شيء والوطنية شيء آخر

مـغـاتيــــــــــــر ٥/٦/٠٩ ١٥:٣٥  

أنور عبدالله

شكرا على مرورك

نتفق في هذا الرأي

وياريت نطلع على موضوعك لإني لم أجده في مدونتك ..

تحياتي

aaaaaa ٥/٦/٠٩ ١٥:٤٥  

http://www.nationalkuwait.com/vb/showthread.php?t=3466

حاضر

هذا اهو الموضوع

وهذا موضوع ثاني بعد قريب من الي كتبتيه

http://anwarr.blogspot.com/2008/03/blog-post_21.html

وهذا موضوع

http://anwarr.blogspot.com/2008/03/blog-post_3280.html

مـغـاتيــــــــــــر ٦/٦/٠٩ ٠٠:٠٦  

أنور عبدالله

قرأت الموضوع وبصراحه عنوانه يعادله ثقلا ، العقيدة والوطنية يعانون سوء تفاهم مزمن يشتد في بعض الأحيان ليكون حربا ... ويبقى الأمل بالثقافة

قواك اللـــه

Q8EL5AIR ٧/٦/٠٩ ١٦:٢٩  

اولا ..

سعدت كثيرا بهذة المدونة الجميلة .. والتي اقف عاجزا عن وصفها سوى انها في غاية الروعة .. من حيث الشكل والمضمون .. فشكرا للقائمين عليها ..

اسجل اعجابي الشديد بالمدونة .. خصوصا الاسم " كشته " والي راكبين الجمس :)



ثانيا ..

وان كان مفهوم الدولة المدنية غير واضح الى الان حتى في الدول المتقدمة هيئاتها ومؤسساتها على مستوى الدولة .. الا انها تبقى منظومة قابلة للتطبيق .. الا ان هذا الامر لا يعني نجاحه في كل مجتمع ولا يعني قبوله في ارض الواقع .. فتبقى بوجه نظري المتواضعة منهج ممتاز لادارة الدولة الا انها هذا الامر لايعني ان ناخذها على ماهي بكل مافيها .. فتبقى هناك امور لايمكن تطبيقها عالاقل في مجتمعنا .. فنهاك امور تحد من ذلك .




وتحياتي ..
ويسلموااااااااااااااااا :)

مـغـاتيــــــــــــر ٨/٦/٠٩ ٠٠:١٦  

كويت الخير

سعداء جدا بمرورك ..

المشكلة ليست في النظام ولكن في الموروث ..

تقبل تحياتي

الحارث بن همّام ٩/٦/٠٩ ٠١:٤٣  

احترم هذا الكلام الكبير


لكن ان كان من تعقيب بسيط .. فهو على ما يخص تعارض الولاء الديني والولاء للدولة

أنا كمواطن مسلم يهمني جداً ان لا اخالف حدود الشريعة الاسلامية ..

والشريعة الاسلامية فيها احكام قطعية لا خلاف عليها - واحكام ظنية يسع فيها الاجتهاد

الاحكام القطعية يجب ان تحوّل تلقائياً من احكام شرعية .. الى قوانين رسمية .. لأننا في دولة يحكمها القانون في النهاية

أما الاحكام الشرعية الظنية .. فكل مسألة فقهية لها آراء متعددة مختلفة

اي رأي سنختار؟

هنا .. في المسائل الظنية .. يقوم الحاكم باختيار أحد هذه الآراء ويعمل به .. ويكون هذا الرأي هو الرأي الرسمي للدولة .. ويتحوّل الى قانون

وهنا يجب على العامة ان يلتزموا بهذا الرأي حتى لو كانوا مخالفين له

فالاحكام القطعية لا نقاش فيها ولا يسع للحاكم ولا للمحكومين تجاوزها - هذا بحكم المادة الثانية من الدستور - وللشعب الحق ان يعترض على أي حكم قطعي لا يعمل به

أما الاحكام الظنية .. لا يحق للشعب الاعتراض على رأي لم يطبق .. اذا كان الحاكم قد اختار احد الاراء الفقهية المعتبرة في مسألة ما .

اسجل اعجابي بالمدونة :)

مـغـاتيــــــــــــر ٩/٦/٠٩ ٠٢:٤٠  

يـا مرحبا ، بن همام عندنا ..

ســعـداء جــدا بمرورك ..

نتفق مبدئيا ، ويبقى تحديد الثوابت القطعية في الإسلام واضح في معظمه ، و ضبابي في أجزاء أخرى ...

قلت "وللشعب الحق ان يعترض على أي حكم قطعي لا يعمل به"

سأرد بمثال حاضر في ذهني ، في القراّن الكريم أجاز الله للرجال التمتع بالإماء وهذا ثابت قطعيا .. والقانون الوضعي يعتبره (لو حصل) زنا .. تعارض صريح ..
هنا هل يحق للشعب الاعتراض ؟

(ملاحظة: تجارة الرقيق التي حرمتها المواثيق الدولية لا زالت موجودة في بعض الدول وتمارس بسرية ، بل اندهشت عندما علمت أن بعض الدول القريبة منا ما زالوا يمتلكون الاماء)

يبقى مثال واحد لأمثلة عدة ، يعيدنا لنفس النقطة الصعبة:
ماهي الثوابت؟
من يحددها؟
هل نعني بها كل ما ثبت بنص؟
أم نختار من الثوابت ما يناسب العصر الذي نعيش فيه؟

شكرا لك ، وتقبل تحياتي

enter-q8 ٩/٦/٠٩ ٠٤:٢٨  

حاشني تلبك معوي مع انقباض حاد بالقولون
لما قريت العنوان
تذكرت سلسلة
الوطن ثم الوطن ثم الوطن ثم المواطن
اللي الحمدلله انها خفت

مـغـاتيــــــــــــر ٩/٦/٠٩ ٠٤:٤٠  

Enter-Q8
حياك اللــه

اّخر شي احنا نبيه ان نسبب لك أي تليك في المعدة أو مغص فما بالك في القولون؟ مرة ثانية أوعدك إني سوف أستعين بخبرات دكتورك جمال كزكزة لاختيار العناوين الرايئة والتي لا تحمل ذكريات سلبية
:P

تحياتي

Nikon 8 ٩/٦/٠٩ ١٧:٢١  

مدونة جميلة وموضوع أجمل :)
شكرا لمرورك على مدونتي لتجرني إلى عالمك الجميل :))
أتمنى أن أكون من المترددين على مدونتك ومتابعتها:)
الله يعطيج العافية

مـغـاتيــــــــــــر ٩/٦/٠٩ ٢٣:٠٠  

Nikon 8

أهلا وسهلا فيك وبمرورك

سنسعد بمتابعتك عزيزتي

تحياتي

حرف ١٤/٦/٠٩ ١٥:٤٠  

مدونة رائعة

وطرح متزن مميز

أسجل إعجابي بمدونتكم ، مع أملي بأن تطعموها ببعضا من (الميديا) سواء صور أو رسومات كاريكاتير أو فيديو

كسرا للرتابة ، ولزيادة الإنتشار وبالتالي التأثير

فحسب قرائتي الأولية ، أعتقد أن عملكم ليس مجرد تنفيس مثل غالبية المدونات في الكويت ، بل هو عمل ينشد التأثير

ضحكني بو وليد enter Q8 بتعليقه

سلسلة الوطن ثم الوطن ثم الوطن ثم المواطن :)

keep going

مـغـاتيــــــــــــر ١٥/٦/٠٩ ٠٢:٥٨  

الأخ فيصل

مرورك هنا يسعدنا كثيرا

وإشادتك نعتز بها أتمنى فعلا أن نكون مؤثرين ايجابيا

أما عن التصميم ، فعلا نحتاج للكثير ،
سنعمل على التفاصيـــل مع مرور الوقت


لك كل الشكر ، تحياتي

moodart.net ٢٢/٧/٠٩ ٠٣:٢٠  

اتفق في بعض عناصر المقال
لكن هناك امرا مهما لم يتطرق اليه الكثير

تطوير الشعوب العربية لقبول ثقافه مدنية جديده ليس فقط بزياده الوعي ومناهج دراسه ونبذ الموروث الخاطيء
فلن نغير من شخصيات شعوب الجزيرة العربيه
لاننا سنحتاج الى عمليات جراحيه وادوية لتعديل جينات الشخصيه العربية
والعلم اثبت ان الشخصيه بها جانب مكتسب وجانب موروث جينيا ..واعتقد ان اهمال هذا الجانب سيؤدي الى فشل المشروع ... على الاقل وضع اعتبار لهذه الموروثات القسرية والتخطيط لمجتمع مدني عربي لايصطدم لا بالجينات ولا بالثقافه المكتسبه..فربما يكتب له النجاح.

وخير مثال هو الشعب العراقي "الابي" فتاريخه العريق منذ العصور الحجرية لغايه الان يؤكد على انها دور الجينات في العنف.. وقد ناقشت موضوع توريث جينات العنف مع العديد من المختصين الذين اثبتوا هذه الحقيقة


ان كنت اختلف مع بعض طرحك
فانا اصر على تسجيل اعجابي بكتاباتكم