٨.١.١٠

الإسلام و الوهم (2)


من أسهل طرق إساءة فهم الدين هو أن ترثه ضمن مجموع ما ترث من أعراف و تقاليد فتختلط الأمور ببعض أو يصبغ هذا ذاك فلا يعد بإمكان الإنسان التمييز بين العرف و الدين ، لذا تجد من الشائع لدينا نحن مسلمي الشرق أن نثني على إسلام الغربي إذا ما اعتنق هذا الدين لأنه يمثله بهيئته و تصرفاته أفضل مما نفعل نحن من ورثنا هذا الدين و تشربناه منذ الصغر ، مع هذا لن نقبل يوما أن يأتي مسلم غربي ليعلمنا الفهم الصحيح للإسلام ، وهذا ما يؤكده د.لانج من أن دعوته التي يجتهد بنشرها لن تجد صدى كبير بين مسلمي الشرق الأوسط مالم تخرج أصوات من بينهم تتبنى نفس الدعوة ، لأن مقاومتنا للتجديد عنيفة جدا خاصة إن كانت تأتي من غير رجال الدين التقليديين .. و بمقارنة طريفة يشير لها في أحد كتبه فيقول أن الجاهليين قد وصفوا في القرآن الكريم على أنهم متعصبون لموروثهم و متمسكين بحمية الجاهلية و يقاومون الدعوات الجديدة برفض حتى السماع لها و يستهزءون بما لم يعتادوا عليه و هذه بالضبط صفات مسلمي العصر الحديث كما يراها د.لانج و كما أراها أنا أيضا ..

الدعوة التي يتبناها د.لانج قمت بتلخيصها -بعد قراءة كتبه الثلاث- إلى 4 محاور سأذكرها ضمن سياق المقال ..

د.لانج قرأ القرآن من غير أي توقعات ، أو افتراضات مسبقة عن الآيات أو تفسيرها ، وهذه القراءة الخاصة كانت سببا في التصور الذي آمن أنه دعوة الإسلام الحقيقية و ينطق بها القرآن الكريم صراحة .. فهو يصر أن القرآن الكريم ليس كتاب علمي ولا كتاب تفاصيل و أوامر بقدر ما هو كتاب روحاني يتناول علاقة الإنسان بربه و يجيب على أسئلة الإنسان الأزلية مثل " لماذا خلقنا؟ " و " إلى أين سنذهب بعد الموت؟ " ، كتاب أخلاقيات يروي القصص بأسلوب رمزي للعبرة و ليس للتأريخ ..

يشير د.لانج إلى قصة خلق آدم التي تبدأ في الآية 30 من سورة البقرة و موقف الملائكة وإبليس منه ، يقول أن الملائكة و هي المخلوقات التي جبلت على الطاعة التامة والانقياد للـه إلا أنها لم تصمت حيال خلق اللـه لآدم بل تجرأت و سألت ، وسؤالهم لم يكن استفسارا فقط بل كان سؤال استغراب أيضا {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}[البقرة:30].. و ما يرمي إليه جيفري هنا أنه إن كانت الملائكة تتجرأ لتسال اللـه مستغربة رغم ما جبلت عليه ، فكيف بالإنسان الذي أعطي حرية القرار و الاختيار .. و الأسباب التي تدعو جيفري للحديث عن هذا الأمر هو ما لاحظه من علماء المسلمين من رفض لمناقشة بعض الأمور في الشريعة الإسلامية مع العامة ، فأجوبة مثل "استغفر ربك" أو "لا يجوز" أو "ماذا تقصد من وراء سؤالك" هي إجابات يستخدمها كثير منهم لترهيب الناس من السؤال .. و هذا ما يجعل جيفري يؤكد دوما لو كان قد دعاه أي من مشايخ الدين الذين تعرف عليهم بعد إسلامه ، لو إن أيا منهم كان قد دعاه للإسلام قبل أن يقرأ القرآن لم يكن ليسلم أبدا ! .. جيفري واضح فيما يقصد ، و هو أن المشايخ يتبنون فهما وراثيا عن الإسلام مخلوط بأكثر من ألف سنة من العادات والتقاليد العربية ، و يرون أن كل هذا هو الإسلام الصحيح الذي لا تجوز مناقشته أو نقده ، فكل هذا الموروث الهائل بنظرهم هو الدين المقدس .. بينما يصر هو على أن القرآن يقدم رؤية اوسع و أشمل و أكثر مرونة مما يتبنون ..

هذه الآراء التي يعتنقها جيفري لانج جعلته يكتب كتابه "حتى الملائكة تسأل" و هذه أول دعوة يتبناها و هي "إطلاق حرية السؤال و النقد الديني" ، هذا الكتاب أعطاه شهرة بين مسلمي الغرب فأصبحت الرسائل تتهافت إليه من كل أنحاء أمريكا من غربيين اعتنقوا الإسلام أو من مسلمي الجيل الثاني و الثالث من المهاجرين المسلمين هناك .. كمية الأسئلة كبيرة و كلها تدور في المناطق المحرمة التي يرفض رجال الدين التقليديين الخوض فيها مع العامة ، وهي مناطق الشبهات و علاقة النص المقدس بالعقل و العلم .. كثرة هذه الأسئلة وأهميتها بالنسبة له أجبره أن يجمع نماذج منها في كتاب أسماه "ضياع ديني - صرخة الإسلام في الغرب" ليجيب عليها كما يفهم هو الإسلام .. يقول جيفري رغم سرعة انتشار الإسلام في أمريكا إلا أنه نصف من يسلم يرتد فيما بعد و نصف من تبقى يضعف ارتباطه بالدين حتى يصبح مسلما بالاسم فقط ، وهذا يشمل حتى أبناء و أحفاد المهاجرين المسلمين و العرب .. وبينما يؤكد جيفري على التحديات التي يفرضها الواقع الغربي ضد الإسلام و التي تتعلق بنمط الحياة الجديد البعيد عن بعض أساسيات الأخلاق ، إلا أنه يرى أيضا أن الفهم المتزمت الذي يفرضه رجال الدين الشرق الأوسطيين للإسلام الصحيح هو سبب آخر لنفور الناس .. و بينما يتوسع رجال الدين في الفتوى و الأوامر يتشددون كثيرا في السماح للنقاشات الجريئة التي تتناول هذه الأمور .. تشددوا كثيرا حتى أصبح الدين عبارة عن "ميكانيكا" أي مجموعة حركات تسمى مجازا عبادات ، هذه الميكنة أفقدت الدين أصله و روحانيته .. و كثير منا الآن ينزعج من كثرة برامج الفتاوي التي تتدخل بأدق تفاصيل حياة الإنسان بل أنها تسبب كثير من المشاكل الأسرية عندما يحاول الأب أو الأم أو الزوج فرض فتوى معينة على من أفراد اسرته لأن "الشيخ يقول" ، هذا التقييد غير منطقي و غير عقلاني و ليس من أصل الدين في شيء و هذه دعوة أخرى يتبناها د.لانج وهي "التخلص من هوس التفاصيل و الأوامر" و أنها ليست جزءا من الإسلام ..


إن كان الانغلاق و رفض حرية النقاش و النقد سبب رئيسي في ابتعاد الأجيال الجديدة في الغرب عن الإسلام إلا أن السبب الأكثر أهمية هو الصراع الذي يعيشه من يعتنقون الإسلام هناك في التأقلم مع العادات الشرق الأوسطية و هذه التي عانى منها د.لانج نفسه في البداية لكنه رفضها و ظل مسلما بعيدا عن أعراف فصل النساء عن الرجال أو اختيار زي متشابه للنساء و غيرها من الإضافات التي لم يأمر بها القرآن الكريم أبدا بل هي مجرد تراث متراكم من عادات العرب ، وهذه الدعوة الأهم التي يطلقها و هي باختصار "إفصـــلوا الدين عن التــراث" .. بعض الآيات في القرآن الكريم خاطبت العرب بناء على عاداتهم السائدة آنذاك إما لتصحيحها أو تهذيبها كموضوع اللباس و التعدد مثلا ، ماذا لو نزل القرآن على قوما آخرين غير العرب لا يعددون في الزوجات و لا تعرف نسائه الجلباب ، عندها كيف كان سيتغير الخطاب ؟ طبعا لا يمكن الإجابة على هذا السؤال لكن يمكن مثلا أن نستلخص أن ما يهم في الآية الكريمة هو "المغزى" وليس التفاصيل ، فما يجنيه المسلم العربي من فائدة من أي أمر إلهي يجب أن يستفيدها المسلم الغربي أيضا بدون أن يضطر أن يغير طريقة حياته حتى تتشابه مع العرب .. و أكثر موضوع يتم خلط الدين فيه بالتراث هو المرأة ، مكانتها ، دورها ، و لباسها و هذه آخر دعوة يطلقها و هي "توقفوا عن إقصاء المرأة و تحجيم دورها" ..

أكثر ما أمتعني في كتب د.لانج هو مقاربته المنطقية و العقلانية في تفسير بعض الآيات و نقد الأحاديث النبوية بدون تقيد بتفسيرات و آراء القرون الماضية ، فرغم أنه ليس ممن يرفضون الأحاديث النبوية بل يؤمن بها إلا أنه حريص جدا في نقد متونها و ليس فقط أسانيدها و مقارنتها مع أصل دعوة القرآن الكريم قبل فرضها كجزء من الدين الإسلامي ..

د.لانج يدعو رجال الدين الإسلامي للاستيقاظ من وهم احتكار الحقيقة ، فالعالم يتغير و الوعي الإنساني يزداد و مداركه تتشعب و الخطاب الإسلامي ما زال قديما و منغلقا و فوق هذا ثابتا لا يتغير .. فبدلا من رمي كل من يحاول التجديد بتهم الابتداع و الزندقة و التحذير منه يجب عليهم أن يحتووا الجميع و يتعلموا أن الحقيقة أكبر من أن تحتكر ، يجب أن يقبلوا بالتغيير و التقدم للأمام و إلا فالخسارة ستقاس بعدد الأجيال ..



٦.١.١٠

الإسلام و الوهم


في أحد زياراتي لمكتبة المعارف في حولي و بعد أن جمعت الكتب التي أنوي شرائها و وضعتها عند المحاسب ، لفت انتباهي كتاب على الرف المجاور للمحاسب .. ما شدني لم تكن هيئة الكتاب بكل تأكيد ، فقد كان ممزق الأطراف و يغطيه بعض الغبار كما يظهر في الصورة ، لكن الملفت كان عنوانه "حتى الخليل ابراهيم يريد أن يطمئن" و اسم الكاتب الذي يعلوه د.جيفري لانج .. هذا العنوان الدافىء جذبني له ، وأثار فضولي فعلى ماذا يريد الخليل ابراهيم أن يطمئن ؟ .. لذا اشتريته من غير حتى أن أفتحه ..



جيفري لانج أمريكي ولد لعائلة كاثوليكية ، عاش طفولة قاسية في منطقة تنتشر فيها الجرائم و تجارة المخدرات التي لم يسلم منها أخوته ، كان والده انسان عنيف و مدمن للخمر و يسيء معاملة والدته على الدوام ، رغم ظروفه الصعبة إلا أنه تمكن من النجاح في حياته و دراسته بمساعدة والدته .. ارتد جيفري عن دينه و ألحد في فترة شبابه ، وظل ملحدا حتى أصبح بروفيسورا للرياضيات في جامعة كانساس .. يقول جيفري لانج أنه بنى إلحاده على أسباب منطقية و علمية لا مجال لنقضها .. مع هذا كان متسامحا و له أصدقاء من كل الأعراق و الديانات ، ومما قال أيضا أنه من بين كل الديانات كان الدين الإسلامي في نظره أكثر الأديان خرافة .. في أحد الأيام عاد إلى مكتبه في الجامعة فوجد كتابا سميكا ذو غلاف أخضر على سطح المكتب مكتوب عليه "القرآن الكريم" ، تفاجأ جيفري من الجرأة التي تدفع إنسان أن يقدم على هذه الحركة ! فمما لا يعلمه البعض إن مجرد الحديث عن الأديان كاعتقاد عند طبقة العلماء الملحدين هو بحد ذاته حديث ساذج ، ناهيك عن فكرة الدعوة لاعتناق أحدها .. مع هذا و بدافع الفضول فتح جيفري الكتاب و باشر بقرائته .. ومن أول سورة "الفاتحة" بدأت رحلة جيفري مع القرآن ، أنهى قراءة الكتاب و أسلم بسببه فقط كما يردد دائما في كتاباته و يشدد على أنه لو دعاه أي من مشايخ الإسلام إلى دينهم قبل أن يقرأ القرآن لم يكن ليسلم أبدا ، فقط القرآن و فهمه له كان سبب إسلامه .. بعد ذلك أمضى أكثر من 20 عاما في دراسة القرآن و علم الحديث من بينها سنتين في المملكة العربية السعودية .. بعد قرائتي لكتابه هذا ، عدت للمكتبة و اشتريت بقية كتبه ..



حسنا ، أين الجديد في قصة مثل هذه ؟ ما الذي يجعل من قصة إسلام جيفري لانج مختلفة ؟


الجديد بالنسبة لي هو أن جيفري بدل أن يتجه إلى الغرب "الكافر" ليدعوه إلى الإسلام كما أسلم هو ، بدل ذلك اتجه إلى الشرق "المسلم" ليدعوهم إلى التخلص من الوهم ..

أي وهم يقصد ؟ و إلى ماذا يدعو جيفري بالضبط بعد هذه الأعوام في دراسة الإسلام ?


يتبــــــع




١٦.١٢.٠٩

الحصافة السياسية .. مفقودة


الحصافة السياسية تتطلب توافر بعض المهارات في السياسي - منها على أقل تقدير ما يلي - :-
  • بعد نظر
  • الانفتاح على التجارب و الخبرات
  • الاهتمام بعامل التوقيت مع الممارسة
  • ربط الوسائل بالغايات
  • السعي وراء النتائج المعقولة عمليا والمقبولة قانونيا
  • التركيز على الإنجاز و البناء

طبعا من يتابع تصريحات نوابنا في الإعلام أو أدائهم تحت قبة البرلمان يعلم أن أسس الحوار مفقودة ناهيك عن أصول و أبجديات الممارسة السياسة ، بل ويفتقر أغلبهم إلى الحد الأدنى من الحصافة السياسية ..

بصراحة تعبت و أنا أنظر للوضع من زاويتين :-

زاوية أؤيد فيها كل ممارسة لغرس المفاهيم الدستورية و تفعيل الأدوات الرقابية ، وهذه ممارسة أراها ضرورية بلا جدال من أجل الحفاظ على المكتسبات الشعبية و خاصة في مقابل التحرك المدفوع ضد دور السلطة التشريعية ..

أما الزاوية الأخرى فأرفض فيها كل ما أراه من مشاهد الفوضى الديمقراطية : لغة متدنية ، منطق واهي ، سلوك غير مهني ..... الخ .. و بالعامي الفصيــــح لا أجد أفضل من كلمة - يـــفــــــــشــــــــــــــــــــــل - لوصف هذا المشهد ..

" لـيــش " يصعب أن نجمع الممارسة المطلوبة بأسلوبها الصحيح ؟!

في السابق كنت أظن أن المشكلة بالمستوى التعليمي للنائب و يمكن حلها باشتراط شهادة متخصصة لمن يرغب بترشيح نفسه ، و هذا الاقتراح مفيد للتخلص من " ثـلة " نواب الـ"ماكو شغل" ، لكن حسب الوضع الحالي فالاقتراح وحيدا لن يفيد ...

نحتاج معهد خاص لتعليم أصول الممارسة السياسية مع قليل من العلوم الإنسانية و كل ما يتطلبه الوضع لإخراج نائب "سنع" ثم اشتراط اجتياز هذا المعهد و بتفوق - لازم تفوق =)) - لمن يريد ترشيح نفسه ... صراحة قياسا على الوضع الحالي ترى لا هو عيب و لا غلط ، من " ألحين " و حتى ينصلح حال التعليم في البلد هذا أفضل حل لتهذيب مدخلات المجلس ..

تتابعون مقابلاتهم على التلفزيون و الجرايد ، و ذمتكم ما يفشلون ؟