مستقبل الفتوى

" إن الدين الحقيقى والحى هو الذى يستوعب الحركات المتجددة والثورات العقلية والنوازع الروحية العنيفة المتعددة وهو إذ لم يتحول إلى رمز، رمز قابل لما لانهاية له من انواع التفسير التى قد يبلغ الفارق بين بعضها وبعض حد التناقض يصبح دينا هشا. فالدين الذى يقدم نفسه على أنه ناموس واضح كامل الأجزاء صريح فى كل تفصيلاته قد فض للناس كل ما فيه من مضمون هو دين مقضى عليه بالموت والتحجر، فكلما تعددت التفسيرات وبلغ العدد مرحلة من الافتراق الرفيع، كان هذا أوضح الشواهد على أن هذا الدين حي "

من كلمة الناشر لكتاب شخصيات قلقة في الإسلام لعبدالرحمن بدوي

كثيرا ما تثير عجبي برامج الفتاوى الدينية ، وأستغرب فعلا هوس التفاصيل ، فمثلا سؤال سيدة عما اذا كان الكحل في العين سيفسد صومها أو سؤال شاب عن حكم لبس قبعة "برفرف" ، اعتقاد الناس بأن عبادتهم لله -جل قدره- تتوقف على هذه التفاصيل أمر يدعو إلى التفكير ... التوسع الذي شهده عالم الإفتاء في العقدين الماضين سيخبو قريبا جدا حسب توقعاتي الخاصة () ... في الفترة الماضية وبسبب الركود الفكري (المستمر) و الذي أكسب رجل الدين الثقة المطلقة ، جعلته يقبل على عالم الفتوى ، بصفتها المجال الحي من اختصاصه والتي يستطيع الحراك ضمنه بعد أن أقفلت كل المجالات الأخرى و منعت عن العامة بل وعن أغلب رجال الدين أنفسهم ، فأصبح وجودها للتقليد فقط ... لكن في ظل الانتشار المتزايد للإلحاد والارتداد عن الإسلام في مجتمعاتنا العربية أرى أن رجال الدين شيئا فشيئا بدأوا يستوعبون حجم المشكلة التي تواجههم وسيتجه تركيز البرامج الدينية على الإيمانيات لا على الإفتاء و التفاصيل التشريعية ... أتمنى أن يصدق حدسي ، لأنه إن صدق سنرى جرأة و عقلانية في الخطاب الديني أكثر من المعهود ، ربما سنرى قبولا أكثر من رجال الدين للرأي الاّخر؟ ربما قبولا أكثر لفكرة نقد التراث؟ ربما "تنفض" الثقافة السائدة بعض "الغبار" ، ينتعش الفكر الحر ؟؟ ... وربما أكون "أحلم" فقط ...